كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإذا كان يوم نوحه على نفسه، نادى مناديه: أن اليوم يوم نَوح داود على نفسه، فليحضر من يساعده.
قال: فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاث فرش من مسوح، حشوها ليف فيجلس عليها وتجيء الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه، ويرفع الرهبان معه أصواتهم، فلا يزال يبكي حتى يغرق الفراش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب فيجيء ابنه سليمان فيحمله، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول: يا رب اغفر ماترى، فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدُّنيا لعدله.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا ابن ماجَة قال: حدثنا الحسن بن أيوب قال: حدثنا عبد الله بن أبي زياد قال: حدثنا سيار عن جعفر قال: سمعت ثابتًا يقول: ماشرب داود شرابًا بعد المغفرة إلاّ وهو ممزوج بدموع عينيه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا ابن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة: أنه كان من دعاء داود:
سبحانك إلهي إذا ذكرت خطيئتي، ضاقت عليَّ الأرض برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ارتدت إليّ روحي، إلهي أتيت أطباء عبادك ليداووا إليّ خطيئتي، فكلهم عليك يدلني.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال: حدثنا محمّد ابن موسى الحلواني قال: حدثنا مهنى بن يحيى الرملي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خَدّ الدموع في وجه داود عليه السلام خديد الماء في الأرض».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا ظفران بن الحسن بن جعفر بن هاشم قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن موسى بن سليمان قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمّد النسائي قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله عن ابن بشر بن محمّد بن أبان قال: حدثنا الحسن بن عبد الله القرشي قال: لما أصاب داود عليه السلام الخطيئة فزع إلى العباد، فأتى راهبًا في قلة جبل فناداه بصوت عال فلم يجبه، فلما أكثر عليه الصوت قال الراهب: مَن هذا الذي يناديني؟ قال: أنا داود نبي الله قال: صاحب القصور الحصينة والخيل المسوّمة والنساء والشهوات، لئن نلت الجنّة بهذا لأنت أنت فقال داود: فمن أنت؟ قال: أنا راهب راغب مترقب قال: فمن أنيسك وجليسك؟ قال: اصعد تره إن كنت تريد ذلك قال: فتخلل داود الجبل حتّى صار إلى القلة فإذا هو بميت مسجىً فقال له: هذا جليسك وهذا أنيسك؟ قال: نعم قال: من هذا؟ قال: تلك قصته مكتوب في لوح من نحاس عند رأسه قال: فقرأ الكتاب فإذا فيه: أنا فلان ابن فلان ملك الأملاك، عشت ألف عام وبنيت ألف مدينة وهَزمت ألف عسكر وألف امرأة أحصنت وافتضضت ألف عذراء، فبينا أنا في ملكي أتاني ملك الموت وأخرجني ممّا أنا فيه، فهذا التراب فراشي والدود جيراني قال: فخرَّ داود مغشيًا عليه وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا أحمد بن محمّد بن علي الهمداني قال: حدثنا عثمان بن نصر البغدادي قال: حدثنا محمّد بن عبد الرحمن بن غزوان قال: حدثنا الأشجعي عن الثوري عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان الناس يعودون داود يظنون أن به مرضًا، ومابه مرض ومابه إلاّ الحياء والخوف من الله سبحانه».
وقال وهب: لما تاب الله تعالى على داود كان يبدأ إذا دعا يستغفر للخاطئين قبل نفسه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا الباقرجي قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا إسحاق بن بشر قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: كان داود ساجدًّا من بعد الخطيئة لايجالس إلاّ الخاطئين ثم يقول: تعالوا إلى داود الخاطىء.
ولايشرب شرابًا إلاّ مزجه بدموع عينيه، وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعته، فلا يزال يبكي حتّى يبتل بدموع عينيه، وكان يذر عليه الملح والرماد فيأكل ويقول هذا أكل الخاطئين.
قال: وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم النصف من الدهر، فلما كان من خطيئته ما كان، صام الدهر كله وقام الليل كله.
وأخبرنا عن إسحاق قال: حدثنا مقاتل وأبو الياس قالا: حدثنا وهب بن منبه: أن داود لما تاب الله عليه قال: يا رب غفرت لي؟
قال: نعم.
قال: فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي فأستغفر منها وللخطائين إلى يوم القيامة.
قال: فوسم الله عزّ وجلّ خطيئته في يده اليمنى، فما رفع فيها طعامًا ولاشرابًا إلاّ بكى إذا رآها، وما كان خطيبًا في الناس إلاّ بسط راحته فاستقبل الناس، ليروا وسم خطيئته.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال: حدثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدلي قال: مارفع داود رأسه بعد الخطيئة إلى السماء حتّى مات.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدثنا محمّد بن خالد قال: حدثنا داود بن سليمان قال: حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا أبو أسامة عن محمّد بن سليمان قال: حدثنا ثابت قال: كان داود إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله لايسدها إلاّ الأسر وإذا ذكر رحمته تراجعت.
قال: وروى المسعودي عن يونس بن حباب وعلقمة بن مرثد قالا: لو أن دموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة، ولو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم عليه السلام أكثر حيث أخرجه الله تعالى من الجنّة وأهبط إلى الأرض.
ويروى أن داود كان إذا قرأ الزبور بعد الخطيئة لا يقف له الماء ولا تصغي إليه البهائم والوحوش والطيور كما كان قبلها، ونقصت نعمته فقال: إلهي ما هذا؟ فأوحى الله سبحانه: يا داود إن الخطيئة هي التي غيرّت صوتك وحالك فقال: إلهي أوليس قد غفرتها لي؟ فقال: نعم قد غفرتها لك، ولكن ارتفعت الحالة التي كانت بيني وبينك من الودّ والقربة، فلن تدركها أبدًا فذلك قوله: {فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}.
قال الحسين بن الفضل: سألني عبد الله بن طاهر وهو الوالي عن قوله سبحانه: {وَخَرَّ رَاكِعًا} هل يقال للراكع خرَّ؟ قلت: لا قال: فما معنى الآية؟ قلت: معناها فخرَّ بعد أن كان راكعًا، أي سجد.
أخبرني الحسن بن محمّد بن الحسين قال: حدثنا هارون بن محمّد بن هارون العطار قال: حدثنا محمّد بن عبد العزي قال: حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي سعيد الخدري قال: رأيتني أكتب سورة ص والقرآن ذي الذكر، فلما أتيت على هذه الآية {وَظَنَّ داود أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} رأيت فيما يرى النائم كأنّ القلم خرّ ساجدًّا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تقول كما قال وتسجد كما سجد» فتلاها فسجدوا وأمرنا أن نسجد فيها.
وأخبرني الحسين بن محمّد قال: حدثنا صمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدثنا أبو حفص بكر بن أحمد بن مقبل قال: حدثنا عمر بن علي الصيرفي قال: حدثنا اليمان بن نصر الكعبي قال: حدثنا عبد الله أبو سعد المدني قال: حدثني محمّد بن المنكدر عن محمّد بن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثني أبو سعيد الخدري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني رأيت الليلة في منامي كأني تحت شجرة، والشجرة تقرأ ص، فلما بلغت السجدة سجدت، فسمعتها تقول في سجودها: «اللهم أكتب لي بها أجرًا، وحط عني بها وزرًا، وارزقني بها شكرًا، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفسجدت أنت يا أبا سعيد؟» قلت: لا يا رسول الله قال: «أنت كنت أحق بالسجدة من الشجرة» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى بلغ السجدة فسجد ثم قال مثل ما قالت الشجرة.
وأخبرني الحسين بن محمّد قال: حدثنا محمّد بن علي بن الحسن قال: حدثنا بكر بن أحمد بن مقبل قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا محمّد بن يزيد بن خنيس قال: حدثنا الحسن بن محمّد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال: قال لي ابن جريح: حدثنا حسن قال: حدثني جدّك عبيد الله بن أبي يزيد قال: حدثني ابن عبّاس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رأيت الليلة فيما يرى النائم كأني أُصلي خلف شجرة، فرأيت كأني قرأت السجدة فسجدت فرأيت الشجرة كأنها سجدت، فسمعتها وهي ساجدة تقول:
اللّهم اكتب لي عندك بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وضع عني بها وزرًا، واقبلها مني كما قبلت من عبدك داود.
قال ابن عبّاس: فرأيت النبييّ صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة ثم سجد فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما قال الرجل من كلام الشجرة، قال الله سبحانه وتعالى فغفرنا له ذلك {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ}.
روى أبو معشر عن محمّد بن كعب ومحمّد بن قيس أنهما قالا في قوله عزّ وجلّ: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ}.
روى أبو معشر عن محمّد بن كعب قال: إن أول من يشرب الكأس يوم القيامة داود.
{يا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحساب} تركوا الأيمان بيوم الحساب {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا} ليتدبروا {آيَاتِهِ}.
هذه قراءة العامة. وقرأ أبو جعفر وعاصم في رواية الأعشى والترجمني: {ليدبروا} بياء واحدة مفتوحة مخففة على الحذف.
قال الحسن: تُدبر آياته، إتباعه.
{وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} {وَوَهَبْنَا لِداود سُلَيْمَانَ نِعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشي}.
قال الكلبي: غزا سليمان عليه السلام أهل دمشق ونصيبين فأصاب منهم ألف فرس.
وقال مقاتل: ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس وكان أبوه أصابها من العمالقة.
وقال عوف عن الحسن: بلغني أنها كانت خيلًا خرجت من البحر لها أجنحة.
قالوا: فصلى سليمان الصلاة الأولى وقعد على كرسيّه وهي تعرض عليه، فعرضت عليه منها تسعمائة فتنبه لصلاة العصر، فإذا الشمس قد غابت وفاتته الصلاة ولم يعلم بذلك بفتنته له، واغتم لذلك فقال: ردوها عليَّ.
فردوها عليه فعرقبت وعقرت بالسيف ونحرها لله سبحانه، وبقى منها مائة فرس، فما في أيدي الناس اليوم من الخيل فهو من نسل تلك المائة.
قال الحسن: فلما عقر الخيل، أبدله الله سبحانه مكانها خيرًا منها وأسرع من الريح التي تجري بأمره كيف يشاء، وكان يغدوا من إيليا فيقيل بقرير الأرض باصطخر ويروح من قرير بكابل.
وقال ابن عبّاس: سألت علي بن أبي طالب عن هذه الآية فقال: ما بلغك في هذا يا ابن عبّاس؟
فقلت له: سمعت كعب الأحبار يقول: إن سليمان اشتغل ذات يوم بعرض الأفراس والنظر اليها حتّى توارت الشمس بالحجاب.
فقال لما فاتته الصلاة: {إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِّي حتى تَوَارَتْ بالحجاب رُدُّوهَا عَلَيَّ} يعني الأفراس وكانت أربعة وعشرون، وبقول: أربعة عشر، فردوها عليه فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها، وأن الله سلبه ملكه أربعة عشر يومًا، لأنه ظلم الخيل بقتلها.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كذب كعب الأحبار، لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس ذات يوم، لأنه أراد جهاد عدو حتّى توارت الشمس بالحجاب، فقال بأمر الله للملائكة الموطنين بالشمس: ردّوها عليَّ. يعني الشمس، فردوها عليه حتّى صلى العصر في وقتها.
فإن أنبياء الله لايظلمون ولايأمرون بالظلم ولايرضون بالظلم، لأنهم معصومون مطهّرون، فذلك قوله سبحانه: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشي الصافنات} وهي الخيل القائمة على ثلاث قوائم، وقد أقامت الأخرى على طرف الحافر من يد أو رجل.
قال عمر بن كلثوم: تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا.
وقال القتيبي: الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل وغيرها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يقوم له الرجال صفونا فليتبؤا مقعده من النار» أي وقوفًا {الجياد} الخيار السراع واحدها جواد {فَقَالَ إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير} يعني الخيل، والعرب تعاقب بين الراء واللام فيقول: انهملت العين وانهمرت، وختلت الرجل وخترته أي خدعته.
وقال مقاتل: {حُبَّ الخير} يعني المال وهي الخيل التي عرضت عليه {عَن ذِكْرِ رَبِّي} يعني الصلاة، نظيرها.
{لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 37]، {حتى تَوَارَتْ} يعني الشمس، كناية عن غير مذكور.
كقول لبيد:
حتّى إذا ألقت يدًا في كافر

يعني الشمس {بالحجاب} وهو جبل دون قاف بمسيرة سنة، تغرب الشمس من ورائها.
{رُدُّوهَا} كرّوها {عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بالسوق والأعناق} أي فأقبل يمسح سوقها وأعناقها بالسيف، وينحرها تقربًا بها إلى الله سبحانه وطلبًا لرضاه، حيث اشتغل بها عن طاعته، وكان ذلك قربانًا منه ومباحًا له، كما أُبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام.
وقال قوم: معناه حبسها في سبيل الله، وكوى سوقها وأعناقها بكيّ الصدقة.
ويقال للكيّة على الساق: علاظ، وللكيّة على العنق: دهاو.
وقال الزهري وابن كيسان: كان يمسح سوقها وأعناقها، ويكشف الغبار عنها حبًا لها. وهي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عبّاس.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} هذه قصة محنة نبي الله سليمان وسبب زوال ملكه مدة، واختلفوا في سبب ذلك.
فروى محمّد بن إسحاق عن بعض العلماء قال: قال وهب بن منبه: سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون، بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر، وكان الله قد أتى سليمان في ملكه سلطانًا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر، إنما يركب إليه إذا ركب على الريح، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجنّ والإنس، فقتل ملكها واستقام فيها وأصاب فيما أصاب بنتًا لذلك الملك يقال لها: جرادة، لم يرَ مثلها حسنًا وجمالًا، واصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام، فأسلمت على جفاء منها وقلة ثقة، وأحبها حبًا لم يحبه شيئًا من نسائه، وكانت على منزلتها عنده، لايذهب حزنها ولايرقأ دمعها، فشق ذلك على سليمان فقال لها: ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لايرقأ؟